ولما ذكر حال السعداء أعقبه بذكر حال الأشقياء فقال
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} أي وأما من أعطي كتابه بشماله وهذه علامة الشقاوة والخسران
{فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه} أي فيقول اذا رأى قبائح أعماله: يا ليتني لم أعط كتابي، قال المفسرون: وذلك لِما يحصل له من الخجل والافتضاح فيتمنى عندئذٍ أنه لم يعط كتاب أعماله، ويندم أشد الندم
{وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه} أي ولم عرف عظم حسابي وشدته، والاستفهام للتعظيم والتهويل
{يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ} أي يا ليت الموتة الأولى التي متُّها في الدنيا، كانت القاطعة لحياتي، فلم أبعث بعدها ولم أُعذب، قال قتادة: تمنى الموت ولم يكن شيء عنده أكره من الموت، لأنه رأى تلك الحالة أشنع وأمرَّ ممَّا ذاقه من الموت
{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه} أي ما نفعني مالي الذي جمعته ولا دفع عني من عذاب الله شيئاً
{هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه} أي زال عني ملكي وسلطاني، ونسبي وجاهي، فلا معين لي ولا مجير، ولا صديق ولا نصير
{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} أي يقول تعالى لزبانية جهنم: خذوا هذا المجرم الأثيم فشدوه بالأغلال، قال القرطبي: فيبتدره مائة ألف ملك، ثم تجمع يده الى عنقه، فذلك قوله تعالى {فَغُلُّوهُ}
{ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} أي ثم أدخلوه النار العظيمة المتأججة، ليصلى حرَّها
{ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} أي ثم أدخلوه في سلسلةٍ حديدية طولها سبعون ذراعاً، قال ابن عباس: بذراع الملك، تدخل السلسلة من دبره، وتخرج من حلقه، ثم يجمع بين ناصيته وقدميه والسلسلة هي حلق منتظمة، كل حلقة منها في حلقة، يلف بها حتى لا يستطيع حراكاً ..
لمّا بيَّن العذاب الشديد بيَّن سببه فقال
{إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} أي كان لا يصدق بوحدانية الله وعظمته، قال أبو حيّان: بدأ بأقوى أسباب تعذيبه وهو كفره بالله، وهو تعليلٌ مستأنف كأن قائلاً قال: لم يعذِّب هذا العذاب البليغ؟ فأجيب إِنه كان لا يؤمن بالله
{وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} أي ولا يُحثُّ نفسه ولا غيره على إِطعام المسكين، قال المفسرون: ذكر الحضَّ دون الفعل للتنبيه على أن تارك الحضّ بهذه المنزلة، فكيف بتارك الإِحسان والصدقة؟
{فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ} أي فليس له في الآخرة صديق يدفع عنه العذاب، لأن الأصدقاء يتحاشونه، ويفرُّون منه
{وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ} أي وليس له طعام إِلا صديد أهل النار، الذي يسيل من جراحاتهم
{لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ} أي لا يأكله إِلا الآثمون المجرمون المرتكبون للخطايا والآثام، قال المفسرون: {الْخَاطِئُونَ} جمع خاطئ وهو الذي يتعمد الذنب، والمخطئ الذي يفعل الشيء خطأ دون قصد، ولهذا قال {الْخَاطِئُونَ} ولم يقل المخطئون.
تم بحمد الله
لدخول ورشة العمل
اضغط هنا
بالتوفيق للجميع ان شاء الله